• Latest News

    السبت، 16 أغسطس 2014

    التشريعات القانونية العراقية المتعلقة بمحاربة الفساد في العراق

    التشريعات القانونية العراقية المتعلقة بمحاربة الفساد في العراق

    بحث تقدمت به
    الدكتورة مها محمد ايوب
    الى
    كلية الحقوق / جامعة النهرين
    ٢٠١١ م
    المقدمة
    یشكل الفساد بنوعیھ الاداري والمالي المعوق الاساسي لعملیة النھوض في اي مجتمع او بلد
    وحیث ان الفساد لم یقتصر على مجال معین او بلد معین او على حقبة معینة بذاتھا وانما یمكن
    ان تجد حالات الفساد في كل العصور التي مرت على الانسانیة ، وان اسالیبھ تتطور مع تطور
    الحضارات في المجتمعات ، وفي القرأن الكریم اشارة واضحة الى الفساد والمفسدین وفي العدید
    من آیاتھ الحكیمة منھا قولھ تعالى " واذا قیل لھم لاتفسدوا في الارض قالو انما نحن مصلحون ،
    . الا انھم ھم المفسدون ولكن لایشعرون " ١
    لذلك فان مفھوم الفساد یجب ان یكون واضحا للجمیع حتى نتمكن من تمییز الفساد عن غیره من
    المفاھیم الاخرى .
    فالفساد لغة : نقیض الاصلاح ، وفسد یفسد ویفسد بكسر السین ، وفسد فسادا وفسودا فھو فاسد
    . وفسید فیھما ، ولا یقال الفسد وافسدتھ انا ٢
    اما الاصطلاح القانوني فیعرف (( استخدام الوظیفة العامة لتحقیق منافع خاصة او الاستغلال
    . السیئ للوظیفة العامة اي الرسمیة من اجل تحقیق المصلحة الخاصة )) ٣
    اما منظمة الشفافیة ، فقد عرفتھ بانھ (( تحقیق مصلحة خاصة ذاتیة لنفسھ او عن كل عمل
    یتضمن سوء استخدام المنصب العام )) . وبمعنى آخر فان الفساد ھي حالة یجعل منھا الموظف
    یعمل بشكل مباشر او غیر مباشر باجبار صاحب الحاجة بدفع الھدایا سواء اكانت عینیة ام نقدیة
    . بشكل غیر قانوني وذلك من اجل انجاز معاملاتھ ٤
    اما خصائصھذه الحالة فانھا تتمیز في الآتي :
    ١. اشتراك اكثر من طرف في تعاطي الفساد .
    ٢. التجسید للمصالح المشتركة والمنافع التبادلیة لمرتكبیھ .
    ٣. مخالفة القوانین واللوائح والقیم والاخلاق باعتباره سلوك غیر قانوني .
    ٤. الاضرار بالمصالح بمختلف انواعھا للمجتمع .
    ٥. السریة التامة في ممارسة ھذا العمل .
    اما من حیث الاسباب التي تؤدي الى نشوء ھذه الظاھرة :
    ١. الحصول على المنافع غیر المشروعة .
    ٢. التھرب من الكلفة الواجبة التي تضعھا القوانین والتشریعات التي تسنھا الدولة لحمایة
    الافراد في كافة النواحي .
    من كل ما تقدم یمكن القول ان ھناك العدید من الوسائل التي یمكن من خلالھا مكافحة الفساد ،
    وھذه الوسائل تتمثل في تقویة آلیة الرقابة والعقاب ، فیمكن ان یقلص الفساد من خلال العقوبات
    الصارمة على المشاركین فیھ واصلاح النظام الخاصبالضرائب وذلك بتحدید الالتزامات بشكل
    واضح لا لبس فیھ وتطبیقھ بصرامة واصلاح تشریعي وقضائي یقضي على الفجوات وتداخل
    المسؤولیات القائمة ورفع رواتب الموظفین من اجل رفع المستوى المعیشي لھم وبالتالي عدم
    اللجوء الى تعاطي الرشوة .
    واستنادا الى ما تقدم فاننا سنتناول الموضوع اعلاه في اربعة مباحث نتناول في المبحث الاول
    التطور التاریخي للقوانین العراقیة في ما یتعلق بمكافحة الفساد وفي المبحث الثاني ندرس اھم
    القوانین التي صدرت في العراق بعد عام ٢٠٠٣ والمبحث الثالث نناقش فیھ مدى استجابة
    القوانین العراقیة لاتفاقیة الامم المتحدة لمكافحة الفساد اما المبحث الرابع فاننا سنحاول ان نذكر
    فیھ بعضحالات الفساد في العراق ونحاول مقارنتھا مع نماذج الفاد الوارد في الاتفاقیة .
    ومن الله التوفیق .
    المبحث الاول : التطور التاریخي للقوانین التي حاولت مكافحة الفساد في العراق
    ان العراق مر بحالة الفساد ، فلیس جدیدا القول انھ بلد الحضارات الاولى ، وان اولى السنن
    والتشریعات التي صدرت وحددت اشكال العلاقة بین الفرد والرعیة والآلھة وبین الافراد انفسھم
    ، وھذه التشریعات حددت العقوبات الصارمة للذي یسيء او یسرق او یخرب وكل ما یتعلق
    بالفساد ، واولى ھذه التشریعات ھي شریعة حمورابي قبل حوالي اربعة الآف سنة .
    اما في الوقت الحاضر فقد شكلت حقب الغزو والاحتلال فترات انحطاط ، فھذه الحالات ادت
    الى عدم الاستقرار وانعدام الامن والافتقار الى القوانین التي تنظم الحیاة الاجتماعیة والاداریة
    والاقتصادیة ، فاعتبرت ھذه الفترات فترات فوضى وفساد بكل اشكالھ ، وھذا یعني ان العراق
    لم ینعم ومازال بحیاة یسودھا القانون الا في حقب متباعدة وقصیرة .
    فاذا ما تتبعنا التشریعات التي صدرت في العراق في ھذا الشان نجد ان اول ھذه القوانین ھو
    ١٩٠٨ ، حیث تناول ھذا القانون الامور المالیة للدولة - القانون الاساسي العثماني ١٨٧٦
    وحالات مكافحة الفساد في الدولة العراقیة ولكنھ لم یشر الى الفساد الاداري والمالي بصورة
    صریحة الا اننا لو رجعنا الى المادة ١٠٠ من ھذا القانون نجدھا تنص على ان " لایجوز
    صرف اي مال من اموال الدولة خارجا غن الموازنة مالم یتعین ذلك بقانون مخصوص " .
    من ھذا النص یتضح انھ لایمكن صرف اي مبلغ خارج عن الموازنة العامة للدولة الا بصدور
    قانون یخصص ھذا المبلغ ، وھذا یعني ان القانون كان صارما كي یمنع حدوث اي نوع من
    انواع الفساد في الدولة .
    اما القانون الاساس لعام ١٩٢٥ ، فانھ الاخر لم یشر الى حالة مكافحة الفساد وانما اقتصر على
    ایراد الامور المالیة التي یجب في كل الاحوال ان تنظم بقانون منعا من حصول حالات فساد .
    ١٩٧٠ ، فانھا وضعت اسس وضوابط النزاھة في الموظف الحكومي – اما الدساتیر من ١٩٥٨
    وتاسیس سلطة الاشراف والرقابة المالیة العامة بقانون .
    فبالنسبة للدستور لعام ١٩٥٨ نصت المادة ١٥ منھ على ان (( لایجوز فرض ضریبة او رسم
    او تعدیلھما او الغائھما الا بقانون )) وھذا یعني لایجوز التلاعب باموال الضرائب او فرضھا
    الاب اصدار قانون خاص منعا من حدوث حالات الفساد المختلفة .
    اما دستور ١٩٦٣ فنجد ان المادة ٧٠ منھ نصت على ان (( تؤسس في الجمھوریة العراقیة
    سلطة الاشراف وال رقابة المالیة العامة ، وتنظم اصول تالیفھا ونھوضھا باعمال الراقبة
    والاشراف بقانون )) .
    وھذا الدستور ھو اول دستور عراقي نص صراحة على مكافحة الفساد من خلال انشاء سلطة
    للاشراف على الامور والمعاملات المالیة .
    اما دستور ١٩٦٨ فقد اشارت المادة ٦٤ منھ على اختصاصات الحكومة العراقیة ، ومن ضمن
    ھذه الاختصاصات مراجعة اعمال الوزراء والمصالح والھیئات العامة والموازنة العامة للدولة
    والمیزانیات الملحقة بھا .
    اما دستور ١٩٧٠ ، فقد نصت المادة ٤٥ منھ على مھام رئیس مجلس قیادة الثورة ، حیث نصت
    على ان (( یتولى رئیس مجلس قیادة الثورة :
    ج. مراقبة اعمال الوزارات والمؤسسات في الدولة ، ودعوة الوزراء للتداول في شؤون
    وزاراتھم واستجوابھم عند الاقتضاء واطلاع مجلس قیادة الثورة على ذلك )) ، وكذلك الحال
    . بالنسبة لدستور ٢٠٠٥
    لكن لو رجعنا الى الواقع نجد ان حالات الفساد في العراق قبل ٢٠٠٣ كانت اقل بكثیر من ھذه
    الحالات بعد احتلال العراق والسبب في ذلك یعود الى ان القوانین كانت تتمتع بالصرامة ، اما
    في الوقت الحاضر فعلى الرغم من كثرة القوانین التي تتعلق بمكافحة الفساد والفاسدین الا انھا
    لا تتمتع بتلك الصرامة اضافة الى ان ھذه القوانین تحابي البعضعلى حساب البعض الاخر .
    وھذا ما سنراه في المبحث الثاني الذي سنتناول فیھ القوانین التي صدرت في العراق بعد عام
    ٢٠٠٣ لمعالجة ومكافحة حالات الفساد التي انتشرت بشكل كبیرجدا بعد الاحتلال الامریكي
    للعراق .
    المبحث الثاني : اھم القوانین الصادرة في العراق لمكافحة الفساد ( الاداري والمالي )
    بعد عام ٢٠٠٣ وانتھاء الاحتلال الامریكي على العراق اصدر الحاكم المدني آنذاك بول بریمر
    عدد من الاوامر ، ومن ضمنھا الاوامر الخاصة بمكافحة الفساد في العراق ومن ھذه الاوامر
    الامر رقم ٥٥ لسنة ٢٠٠٤ الخاص بتشكیل مفوضیة النزاھة .
    وقبل البدء بدراسة ھذا القانون لابد ان نوضح انھ ( الامر اعلاه ) تم الغاؤه بالقانون رقم ٣٠
    لسنة ٢٠١١ ، لذلك فاننا سنتناول دراسة احكام القانونین معا ثم نوضح الاختلاف فیما بین ھذه
    الاحكام .
    فبموجب الامر اعلاه تخضع ھیئة النزاھة الى عدد من الاحكام تتمثل في الآتي :
    - یكفل مجلس الحكم انشاء ھذه الھیئة وقیامھا بعملھا بشكل ملائم یتلائم مع ما صدر عن
    سلطة الائتلاف المؤقتة .
    - یكفل مجلس الحكم قیام الھیئة بعملھا بصفتھا الجھاز الرئیس في العراق لتنفیذ وتطبیق
    القوانین الخاصة بمكافحة الفساد ، وان تؤدي واجبھا بالتعاون مع الھیئة العلیا للتدقیق
    المالي والمحاسبة ومع المفتشین العمومیین في الوزارات العراقیة .
    - ان للھیئة صلاحیات ومسؤولیات حددت مجالاتھا بوضوح .
    - یعترف مجلس الحكم ان الغرض من تصمیم ھذا النظام ھو لتسھیل ادارة شؤون الحكم
    بشفافیة ومكافحة الفساد على جمیع المستویات .
    - یخول مجلس الحكم سلطة تعدیل القانون العراقي القائم ، كما یخول سلطة السماح
    للمفوضیة بمراجعة نظام موظفي الدولة وقواعد الضبط في القطاع الاجتماعي واصدار
    النص المنقح للنظام والقواعد .
    - في حال نشوء اي تعارض بین الاحكام الصادرة عن مجلس الحكم والاحكام الصادرة
    عن سلطة الائتلاف المؤقتھ ، ترجح الاحكام الصادرة عن الاخیرة .
    - یحتفظ المدیر الاداري للسلطة المؤقتھ صلاحیة تعدیل القانون الذي تم بموجبھ انشاء
    . ھیئة النزاھة .....الخ من الاحكام الاخرى ٥
    اما صلاحیات وواجبات الھیئة فانھا تتمثل في :
    - صلاحیة التحقیق في قضیة فساد .
    - احالة معلومات تتعلق بمخالفات محتملة لقواعد السلوك الى رئیس الدائرة الحكومیة التي
    توظف المخالف المشتبھ بھ .
    - تضع اجراءات استلام مزاعم عن الفساد بما فیھا المزاعم المغفلة .
    - توظف المفوضیة مدققي الحسابات المالیة ومحققین ومحققین من الدرجة الاولى .
    - عندما یستھل قاضي التحقیق اجراءات التحقیق في قضیة فساد ، یقوم بابلاغ الشؤون
    القانونیة في المفوضیة بذلك ، ویطلع المفوضیة بسیر التحقیق اولا باول بناء على طلبھا
    .
    - تصدر لوائح تنظیمیة ملزمة تقتضي من المسؤولین الكشف عن مصالحھم المالیة
    وتصمم ھذه اللوائح لكسب ثقة الجمھور في نزاھة وشفافیة الخدمات الحكومیة .
    - تصدر المفوضیة ایضا نصا منقحا لقواعد السلوك لتوضیح معاییر السلوك الاخلاقي
    التي یجب ان یلتزم بھا موظفو الحكومة العراقیة والتشدید علیھا .
    - یجوز لھا الاقتراح على الھیئة التشریعیة الوطنیة تشریعات صممت للقضاء على الفساد
    وتنمیة ثقافة الاستقامة والنزاھة والشفافیة والخضوع للمحاسبة .
    - توفیر برامج عامة للتثقیف والتوعیة تعتبرھا مناسبة لتنمیة ثقافة النزاھة والاستقامة
    والشفافیة والخضوع للمحاسبة والتعامل المنصف في الخدمات العامة .
    - لا تمارس التمییز اثناء ممارستھا لعملھا على اساس الانتماء الدیني او الطائفي او
    العرقي او الاثني .
    - تراعي عند تنفیذ جمیع عملیاتھا الالتزام بالاجراءات القانونیة المتعارف علیھا وتضمن
    . المحافظة علیھا والانصیاع لھا ٦
    اما من حیث التنظیم فانھ یكون للمفوضیة رئیسا یتولى رئاستھا لفترة خمس سنوات ولا یجوز لھ
    الاحتفاظ بالرئاسة لاكثر من دورتین ومجلس الحكم ھو الذي یقوم بترشیح اول رئیس للمفوضیة
    . ویجوز اقالة رئیس المفوضیة بموافقة ثلثي اعضاء الھیئة التشریعیة الوطنیة على ذلك . ویقال
    من منصبھ بسبب عدم الكفاءة او بسبب اساءتھ التصرف على نحو خطیر او بسبب تقصیره في
    . تأدیة مھامھ ، او بسبب اساءتھ لاستخدام منصبھ ٧
    اما عن العقوبات التي تفرض على من یثبت اساءتھ للمركز العام فقد اشار الیھ القسم السادس
    من الامر بفرض عقوبة السجن لمدة تصل الى عشر سنوات وغرامة تصل الى عشر ملایین
    دولار امریكي او ما یعادلھا بالدینار العراقي ومصادرة جمیع المبالغ المالیة او الاشیاء الملموسة
    الشخصیة المستحصلة من ارتكاب المخالفة او ممارسة نشاط یتعلق بھا ، وارغام المخالف على
    تعویض المتضررین .
    ان ھیئة النزاھة لھا دور كبیر في القضاء على الفساد الاداري والمالي من خلال ما تمارسھ من
    واجبات قانونیة باعتبارھا مؤسسة دستوریة وجھازا رئیسیا مستقلا في العراق لمكافحة الفساد ،
    وتخضع ھذه الھیئة لرقابة مجلس النواب حصرا وذلك بحسب ما نصت علیھ المادة ١٠٢ من
    الدستور العراقي ، لكنھا اصبحت بعد انتخابات ٢٠١٠ خاضعة لرقابة رئیس مجلس الوزراء .
    فلھیئة النزاھة ان تحقق في قضایا الفساد ، حیث تكون الھیئة طرفا في ھذه القضیة او الدعوى ،
    ولھا الحق في الاستعانة بالاجراءات الجنائیة من اجل البت والفصل في القضایا المتعلقة باساءة
    التصرف . ولھا ایضا ان تحقق في قضیة الفساد التي تنطوي على اعمال تمت بصلة الى
    . الماضي حتى تاریخ ١٧ تموز ٨ ١٩٦٨
    ولھیئة النزاھة ان تطلب من كبار موظفي الدولة الكشف عن مصالحھا المالیة ، ،وزوجاتھم
    واولادھم القصر ، من عقارات ومنقولات ودخل مالي وارصدة مالیة في المصارف واسھم
    وسندات وتكون لھذه اللوائح قوة القانون وفعالیتھ وتعدل من وقت لآخر وفقا لما تراه مناسبا
    لتحقیق الاغراض المنشودة وتشمل ایضا بموجبھ كل من :
    - رئیس الجمھوریة ونوابھ .
    - رئیس مجلس النواب ونوابھ .
    - رئیس الوزراء ونوابھ .
    - الوزراء ومن ھم بدرجة وزیر ووكلاء الوزارات .
    - رئیس الھیئة ووكیلھ وجمیع مدراء الھیئة ومحققیھا .
    - اصحاب الدرجات الخاصة ووكلائھم ومعاونیھم .
    - القضاة والمحققین ونواب الادعاء العام والمشرفین العدلیین وضباط الشرطة وضباط
    الجیش .
    - اي شخص یشغل منصب عسكري او مدني ممن لم یذكر اعلاه ترى الھیئة ضرورة
    شمولھ بتقریر الكشف المالي وفقا لتعلیمات تصدرھا اصولیا لھذا الغرض.
    ولھیئة النزاھة ان تحیل مخالفات الموظفین التي تتعلق بالخدمة العامة الى رؤسائھم الحكومیین
    وتوجھ باتخاذ اجراءات تادیبیة ضده ، وھذا یعني ان لھا الحق في مراجعة قانون انضباط
    موظفي الدولة واصدار النص المنقح لھذا القانون .
    فالمادة الخامسة من ھذا القانون ( قانون انضباط موظفي الدولة ) حددت مظاھر الفساد وانواعھ
    والانحرافات الاداریة والوظیفیة والتنظیمیة التي تصدر من الموظفین اثناء ممارستھم لوظیفتھم
    واعتبارھا جرائم تأدیبیة ، وقد بلغت عدد القضایا التي احیلت الى الھیئة منذ تأسیسھا عام
    ٢٠٠٤ وحتى الان ٣٠٠٠ ثلاثة الآف قضیة وصدر حكم في ٢٠٠ قضیة فقط ، وتوجد حالیا
    . ١٥٠٠٠٠ مائة وخمسون الف شھادة مزورة ٩
    اضافة الى كل ذلك فان الھیئة قبضت على الكثیر من الاشخاص وھم متلبسین بجریمة الرشوة
    وفي العدید من الوزارات ، ومن بین اكثر الوزارات تعاطیھا للرشوة ھي وزارة الدفاع العراقیة.
    وھذا ان دل على شيء فانھ یدل على ان ھیئة النزاھة لم تقف مكتوفة الایدي ضد الفساد ، وانما
    لھا دور كبیر في محاولة القضاء على الفساد.
    الا ان ھذا القانون لم یبق طویلا فقد صدر القانون الخاص بھیئة النزاھة المرقم ب ٣٠ لسنة
    ٢٠١١ الغى بموجبھ القانون القدیم الصادر من قبل الحاكم المدني بول بریمر ، واصبحت ھیئة
    النزاھة بموجبھ ھیئة مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب ١٠ . وتعمل الھیئة على المساھمة في
    منع الفساد ومكافحتھ واعتماد الشفافیة في ادارة شؤون الحكم على جمیع المستویات وعن طریق
    التحقیق في قضایا الفساد طبقا لاحكام ھذا القانون ، متابعة قضایا الفساد التي لایقوم محققو
    الھیئة بالتحقیق فیھا عن طریق ممثل قانوني عن الھیئة بوكالة رسمیة تصدر عن رئیسھا ، تنمیة
    الثقافة في القطاعین العام والخاص تقدر الاستقامة والنزاھة والشخصیة واحترام اخلاقیات
    الخدمة العامة ، اعداد مشروعات قوانین بما ینسجم في منع مكافحة الفساد او مكافحتھ ورفعھا
    الى السلطة التشریعیة المختصة عن طریق رئیس الجمھوریة او مجلس النواب ، تعزیز ثقافة
    الشعب العراقي بالحكومة عبر الزام المسؤولین فیھا بالكشف عن ذممھم المالیة ، اصدار
    تنظیمات سلوك تتضمن قواعد ومعاییر السلوك الاخلاقي لضمان الاداء الصحیح والمشرف
    السلیم لواجبات الوظیفة العامة ، القیام باي عمل یساھم في مكافحة الفساد او الوقایة منھ
    بشرطین ان یكون ذلك العمل ضروریا ویصب في مكافحة الفساد او الوقایة منھ وان یكون
    . فاعلا ومناسبا لتحقیق اھداف الھیئة ١١
    مما تقدم یتضح ان القانون النافذ حالیا لایختلف عن القانون الملغي الا من حیث ان الھیئة في
    القانون السابق تخضع لرقابة مجلس الحكم اما في القانون الحالي فھي تخضع لرقابة مجلس
    النواب . اما من حیث اختصاصات الھیئة في القانونین فھي لاتختلف لان الغرض من كلیھما ھو
    القضاء على الفساد ومنع انتشاره في مفاصل الدولة المختلفة .
    اما قانون المفتشین العمومیین فقد صدر بموجب الامر المرقم ب ٥٧ لسنة ١٢ ٢٠٠٤ وذلك
    لحاجة الوزراء الى كوادر مھنیین مؤھلین ومتسمین بالموضوعیة ، والذین یكرسون جھودھم
    لتحسین اداء الوزارة والقضاء على اعمال الغش والتبذیر واساءة استخدام السلطة .
    ویتم بموجب ھذا القانون اخضاع اداء الوزارات لاجراءات المراجعة والتدقیق والتحقیق ، وذلك
    لرفع مستویات المسؤولیة والنزاھة والاشراف في اداء الوزارات وذلك لمنع وقوع اعمال الغش
    واساءة استخدام السلطة ، لذلك فاننا سنتناول صلاحیات مكتب المفتش العام وسلطاتھ ودوره في
    القضاء على الفساد الاداري والمالي ..
    فمن حیث مھام المكتب فانھا تتمثل في :
    - فحص ومراجعة جمیع سجلات الوزارة وكل ما تقوم بھ من نشاط بغیة ضمان النزاھة
    والشفافیة .
    - القیام بالتحقیق الاداري على نحو یتماشى والسلطات المنصوصعلیھا في ھذا الامر .
    - المراجعة والتدقیق على عملیات الوزارة ومھامھا من منظور حسن تدبیر المصروفات
    وكفاءة فعالیة الاداء .
    - تلقي الشكاوى باعمال الغش والتبذیر واساءة استخدام السلطة .
    - متابعة الاداء لضمان بقاء الاعمال التصحیحیة المتخذة استجابة لملاحظات وتوصیات
    المفتش العمومي للمراد تحقیقھ منھ .
    - توفیر المعلومات والادلة المتعلقة باعمال قد تكون اجرامیة وتقدیمھا للمسؤولین
    المناسبین المعنیین بتطبیق القانون .
    - تلقي الشكاوى من اي مصدر والتحقیق فیھا .
    - ممارسة نشاط الغرض منھ منع اعمال الغش والتبذیر واساءة استخدام السلطة .
    - احالة الامور الى الجھات الاداریة والنیابیة المناسبة لاتخاذ الاجراءات الاضافیة المدنیة
    والجنائیة والاداریة بشانھا .
    - تقدیم التوصیات غیر الملزمة لغرض قیام الوزارة بتنفیذ الاعمال الرامیة لتصحیح
    وتجاوز جوانب القصور في التشغیل والصیانة او في كفاءة الاداء .
    - متابعة ورصد ما یتم تنفیذه من التوصیات التي قدمھا مكتب المفتش العام وھیئات
    المراجعة والتدقیق الاخرى .
    - اصدار السیاسات والاجراءات الخطیة بغیة توفیر الارشادات المتصلة بالمھام التي یقوم
    بھا مكتب المفتش العام .
    - اصدار التقاریر العامة .
    - تدریب العاملین في الوزارة على سبل التعرف على اعمال التبذیر والغش واساءة
    استخدام التصرف .
    - الاحتفاظ بمعلومات عن تكالیف عملیات التحقیق والتعاون مع الجھات الاداریة والنیابیة
    المناسبة من اجل استرداد تلك التكالیف من الھیئات غیر الحكومیة التي یثبت انھا
    مارست عمدا سلوكا ینطوي على اساءة التصرف .
    - التعاون مع الجھات والھیئات المعنیة بتطبیق القانون .
    - اتخاذ ما یلزم من اجراءات على كل مستوى من مستویات عملیات الوزارة لضمان
    كفالة اداء مھام المفتش العمومي .
    - تأدیة ما یلزم تأدیتھ من واجبات اخرى تقع في حدود سلطاتھم .
    اما من حیث سلطات مكتب المفتش العام فتتمثل في :
    - امكانیة الوصول بدون قیود الى جمیع مكاتب الوزارة والى المواقع التابعة لھا التي
    یخضع دخولھا لقیود محدودة وتلك التي یحظر الوصول الیھا ، وامكانیة الوصول الى
    العاملین في الوزارة والاطلاع على السجلات وبیانات المعلومات والتقاریر والخطط
    والتوقعات والامور والقیود والمذكرات والمراسلات وایة مواد اخرى ، بما في ذلك
    البیانات الالیكترونیة الخاصة بالوزارة .
    - سلطة اصدار طلبات الاستدعاء للشھود والاستماع والیمین او القسم الذي یؤدیھ الشھود
    وسلطة الاستماع الى اقوال الشھود وتسجیلھا .
    - قدرة الوصول عند اللزوم وبالقدر المعقول الى رئیس اي جھاز حكومي لاغراض
    تتعلق بعمل المكتب .
    - سلطة الزام العاملین في الوزارة على تبلیغ مكتب المفتش العام معلومات تتعلق بما یقع
    في الوزارة من اعمال الغش والتبذیر واساءة استخدام الموارد والفساد واعمال مخالفة
    للقانون .
    مما تقدم ومن خلال بیان مھام وصلاحیات مكتب المفتش العام یمكن القول ان مكتب المفتش
    العام یقع في قمة الھرم في كل وزارة ، حیث یقوم بمراقبة اعمال الوزیر والمدراء العامین
    والموظفین في الدرجات الاخرى في الوزارة او الفروع التابعة لھا ، من خلال تشخیص الخلل
    في مسار عمل الوزارة ووضعھا على المسار الصحیح والتحقیق في السلوك الخاطيء ،
    واصدار اللوائح والقوانین التي تحدد عمل الوزارة ومسارھا ، وان تبین ان اي انحراف عن ھذه
    اللوائح والتعلیمات التي تصدرھا معناه ان ھناك ارتكابا للفساد الاداري والمالي .وھذا كلھ بدوره
    سوف یقلل من خطر الفساد الذي یقع في ھذه الوزارة او تلك ، اضافة الى كل ذلك فان مكتب
    المفتش العام لھ الحق في التدخل في عمل الدوائر المحظور الوصول الیھا او الدوائر التي تضع
    اجراءات معقدة للوصول الیھا .
    اما ما یتعلق بقانون دیوان الرقابة المالیة ، فالدیوان یعتبر احد الاعمدة الثلاثة التي تعمل على
    مكافحة الفساد الاداري والمالي اضافة الى ھیئة النزاھة والمفتشین العمومیین .
    وقد تم انشاء ھذا الجھاز بموجب القانون رقم ٦ لسنة ١٩٩٠ ، وقد تضمن ھذا القانون مھام
    وصلاحیات ھذا الجھاز والتي تتمثل في الآتي :
    من حیث مھام دیوان الرقابة المالیة :
    ١. رقابة وتدقیق حسابات الجھات الخاضعة للرقابة المالیة والتحقق من سلامة تطبیق
    القوانین والانظمة والتعلیمات المالیة على ان یشمل ذلك :
    أ. فحص وتدقیق معاملات الانفاق العام للتاكد من سلامتھا وعدم تجاوز الاعتمادات
    المقررة لھا في الموازنة واستخدام الاموال العامة في الاغراض المخصصة لھا ، وعدم
    حصول ھدر او تبذیر او سوء تصرف فیھا وتقویم مردوداتھا .
    ب. فحص وتدقیق معاملات وتخمین وتحقق وجبایة الموارد العامة للتاكد من ملائمة
    الاجراءات المعتمدة وسلامة تطبیقھا .
    ت. ابداء الرأي في القوائم والبیانات والتقاریر المتعلقة بنتائج الاعمال والاوضاع المالیة
    للجھات الخاضعة للرقابة وبیان ما اذا كانت منظمة وفق المتطلبات القانونیة والقواعد
    والاصول المحاسبیة المعتمدة وتعكس حقیقة المركز المالي وعوائد الاستثمار المقررة
    ونتیجة النشاط .
    ٢. رقابة وتقویم الاداء وفقا لاحكام ھذا القانون .
    ٣. تقدیم العون الفني في المجالات المحاسبیة والرقابیة وما یتعلق بھا من امور اداریة
    تنظیمیة .
    ٤. المساھمة في وضع وتطویر القواعد والاصول والمعاییر المحاسبیة .
    اما من حیث اختصاصات وصلاحیات الدیوان فتتمثل في :
    ١. فحص وتدقیق الایرادات والنفقات العامة والالتزامات المالیة كافة تخطیطا او جبایة او
    انفاقا والموجودات بانواعھا للتحقق من صحة تقویمھا وتسجیلھا في الدفاتر والسجلات
    النظامیة للتاكد من وجودھا وعائدیتھا وكفاءة وسلامة استخدامھا وادامتھا والمحافظة
    علیھا ، وفحص المستندات والعقود والسجلات والدفاتر المحاسبیة والموازنات
    والحسابات الختامیة والقرارات وغیرھا من الوثائق والمعاملات ذات العلاقة بمھام
    الرقابة المالیة .
    ٢. حق الاطلاع على الوثائق والمعاملات ذات العلاقة بمھام الرقابة المالیة .
    ٣. تؤدي اعمال الرقابة والتدقیق وفقا للقواعد والاصول والمعاییر المعتمدة والطرق
    والوسائل المتعارف علیھا .
    لكن بعد عام ٢٠٠٣ عندما غزا الاحتلال الامریكي العراق ، ومن اجل ضمان فاعلیة واستقلال
    الدیوان ، اصدر الحاكم المدني بول بریمر الامر رقم ٧٧ لسنة ١٣ ٢٠٠٤ اعاد فیھ تشكیل
    دیوان الرقابة المالیة بصفتھ مؤسسة عامة مستقلة تساعد في تعزیز الاقتصاد وفاعلیة ومصداقیة
    الحكومة العراقیة وقدرتھا على ادارة مواردھا .
    وقد تضمن ھذا الامر مجالات التعاون والتنسیق بین ھذا الجھاز وھیئة النزاھة ومكاتب المفتشین
    العمومیین في الوزارات كافة من اجل ضمان استمرار النزاھة والامانة والشفافیة في عمل
    . الدوائر ومساءلتھا لدى ممثلي الشعب ١٤
    جدیر بالذكر ان ھذا الامر ابقى على قانون دیوان الرقابة المالیة بالحد الذي لا یتعارض مع
    التعدیلات في ھذا الامر .
    حیث عدل ھذا الامر المادة الاولى من القانون ، والفقرة الرابعة من المادة الثانیة واضاف
    فقرات الى المادة ذاتھا تتمثل في :
    خامسا : كشف خلال التدقیق وتقییم الاداء لأدلة الفساد ، الاحتیال ، التبدید ، الاساءة ، عدم
    الكفاءة في الامور التي تتعلق باستلام وانفاق واستعمال الاموال العامة .
    سادسا : التحقیق والتبلیغ في الامور المتعلقة بكفاءة الانفاق واستعمال الاموال العامة كما ھو
    مطلوب رسمیا من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة ، مجلس الحكم العراقي او اي جھة وریثة والتي
    ستكون السلطة التشریعیة الوطنیة .
    سابعا : تحال الى المفتش العمومي للوزارة ذات العلاقة ، او مباشرة الى مفوضیة النزاھة العامة
    ، حیثما كان ذلم مناسبا ، كل ادعاءات او ادلة الفساد او الاحتیال او التبدید او سوء استخدام او
    عدم الكفاءة في الانفاق واستعمال الاموال العامة .
    ثامنا : فرض الانظمة والاجراءات للقیام باعمالھ كمؤسسة تدقیق علیا للعراق وغیرھا من
    . التعدیلات الاخرى ١٥
    الا ان ھذا القانون والامر الذي اصدره الحاكم المدني بول بریمر قد الغي بموجب قانون دیوان
    الرقابة المالیة المرقم ب ٣١ لسنة ٢٠١١ ، وقد حدد ھذا القانون اھداف ھذا الجھاز بالآتي :
    ١. الحفاظ على المال العام من الھدر او التبذیر او سوء التصرف وضمان كفاءة استخدامھ

    ٢. تطویر كفاءة اداء الجھات الخاضعة للرقابة .
    ٣. المساھمة في استقلالیة الاقتصاد ودعم نموه واستقراره .
    ٤. نشر انظمة المحاسبة والتدقیق المستندة على المعاییر المحلیة والدولیة وتحسین القواعد
    والمعاییر القابلة للتطبیق على الادارة والمحاسبة بشكل مستمر .
    ٥. تطویر مھنتي المحاسبة والتدقیق والنظم المحاسبیة ورفع مستوى الاداء المحاسبي
    . والرقابي للجھات الخاضعة للرقابة ١٦
    اما مھام الدیوان فقد حددتھا المادة ٦ من القانون وھي لاتختلف عن مھامھ وفق القانون الملغي
    .وصلاحیات الجھاز تتمثل في الاتي :
    ١. الاطلاع على كافة الوثائق والسجلات والمعاملات والاوامر والقرارات ذات العلاقة
    بمھام الرقابة والتدقیق ولھ اجراء الجرد المیداني او الاشراف علیھ والحصول على
    جمیع الایضاحات والمعلومات والاجابات من المستویات الاداریة والفنیة المعنیة في
    حدود ما ھو لازم لاداء مھامھ .
    ٢. القیام بعملیات الفحص استنادا لقرار من المجلس للمنح والاعانات والقروض
    والتسھیلات والامتیازات والاستثمارات والتحقق من كونھا موظفة للاغراض التي
    . قدمت من اجلھا ١٧
    مما تقدم یتضح ان القانون النافذ حالیا والذي یتعلق بدیوان الرقابة المالیة لایختلف كثیرا عن
    القانون الملغي فھو یشمل نفس الاختصاصات والمھام والصلاحیات المنصوص علیھا في
    القانون السابق .
    المبحث الثالث : مدى استجابة القوانین لاتفاقیة الامم المتحدة لمكافحة الفساد
    صادق العراق على اتفاقیة الامم المتحدة لمكافحة الفساد في آب عام ٢٠٠٧ ، والذي یلاحظ ان
    الحكومة العراقیة عندما اصدرت قوانینھا فانھا اصدرتھا بشكل لا یتعارض مع الاتفاقیة
    المذكورة ، لان القوانین العراقیة ھدفھا الاساسي ھو القضاء على الفساد في كافة مفاصل الدولة
    العراقیة ، وھو نفس الھدف الذي نصت علیھ الاتفاقیة المذكورة .
    فھذه الاتفاقیة اعطت لكل دولة تنظم الیھا ان تقوم بوضع وتنفیذ او ترسیخ سیاسات فعالة متسقة
    لمكافحة الفساد ، وارساء وترویج ممارسات فعالة تستھدف منع الفساد ، واجراء تقییم دوري
    للصكوك القانونیة والتدابیر الاداریة ذات الصلة بغیة تقریر مدى كفایتھا لمنع الفساد ومكافحتھ
    . ١٨
    ویلاحظ ان الاتفاقیة عالجت كل ما یتعلق بمنع الفساد الذي یحصل بین الدول ، من خلال
    . التعاون فیما بینھا ، وفیما یتعلق بالقطاع العام والقطاع الخاص ١٩
    ولو رجعنا الى القواني العراقیة التي صدرت بعد عام ٢٠٠٣ والتي تتعلق بمكافحة الفساد في
    العراق نجد انھا لاتختلف عن الاحكام التي اشارت الیھا الاتفاقیة ، فالھدف الاساسي من الاتفاقیة
    والقوانین ھي القضاء بشكل نھائي على الفساد ، ومنع انتشاره في مفاصل الدولة .
    واستنادا الى ما تقدم فان اتفاقیة مكافحة الفساد تمثل میثاقا دولیا بالغ الاھمیة وذلك لسببین الاول
    انھا اتفاقیة عالمیة النطاق حیث اشترك في اعمالھا التمھیدیة والمفاوضات التي سبقت اقرارھا
    اكثر من ١٢٠ دولة اضافة الى عدد كبیر من المنظمات الدولیة وثانیھما انھا تمثل استراتیجیة
    شاملة لمكافحة الفساد تعتمد على اتخاذ مجموعة من التدابیر التشریعیة وغیر التشریعیة .
    ولاشك ان التشریع العراقي مدعو الى الاستجابة التشریعیة لھذه الاتفاقیة لكي یبدو اكثر توافقا
    واتساقا مع احكامھا .
    والسبب في ھذه الاستجابة ھو ان العراق قد انظم الیھا بموجب القانون رقم ٣٥ لسنة ٢٠ ٢٠٠٧
    . وھذا یعني ان المشرع العراقي اصبح ملزما من الناحیة القانونیة باحكام ھذه الاتفاقیة .
    المبحث الرابع : مقارنة بین نماذج الفساد الدولیة ونماذج الفساد الوطنیة :
    ان الفساد الدولي والفساد الوطني لایختلف كلاھما عن الآخر فكل منھما یقع في الوظیفة العامة
    والوظیفة الدولیة ،وبما ان الوظیفة العامة تكلیف وطني وخدمة اجتماعیة الھدف منھا تحقیق
    المصلحة العامة وخدمة المواطنین ، وذلك في ضوء القواعد القانونیة الساریة المفعول .
    لذلك یتعین على الموظف في ھذه الحالة الالتزام بالقواعد القانونیة في ھذا المجال وان یستعمل
    سلطتھ بنزاھة وامانة كاملة ومسؤولیة وطنیة وعدم الخروج علیھا واستغلالھا لتحقیق المنفعة
    الشخصیة
    . ومن الامثلة في ھذا المجال تتمثل في الآتي :
    اولا : الفساد بصورة الجرائم المخلة بسیر العدالة :
    عالج المشرع العراقي ھذه الجرائم في الباب الرابع من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة
    ٢٧٣ ) ، وتتمثل ھذه الجرائم في الآتي : – ١٩٦٩ المعدل في المواد ( ٢٣٣
    ١. جریمة المساس بسیر القضاء :
    وھي احدى صور الفساد التي ترتكب من قبل الموظف المكلف بخدمة عامة ، وقد نظم المشرع
    ( ھذه الجریمة في حالتین حالة التوسط المخل بسیر القضاء بموجب المادتین ( ٢٣٣ و ٢٣٤
    . ( وحالة النشر المخل بسیر القضاء بموجب المادة ( ٢٣٦
    ٢. جریمة تسھیل ھروب المحبوسین او المقبوضعلیھم :
    وتعتبر من الجرائم المخلة بسیر العدالة وتناولھا المشرع العراقي في المادة ٢٧١ من القانون ،
    وھي تنطوي على صورة من صور الفساد ایضا ، اذ یقوم الموظف او المكلف بخدمة عامة
    بتسھیل ھروب المحبوس او المقبوضعلیھ مقابل الحصول على منافع مادیة .
    ثانیا : الفساد بصورة الجرائم المخلة بالثقة العامة :
    تناول المشرع ھذه الجرائم في الباب الخامس من القانون وھذه الجرائم تتمثل في :
    ١. جرائم تزویر المحررات :
    ٢٩٧ ) ، ویقصد بالتزویر ھنا تغییر الحقیقة بقصد الغش في – تناولھا القانون في المواد ( ٢٨٦
    سند او وثیقة او اي محرر آخر باحدى الطرق المادیة او المعنویة التي بینھا القانون تغیرا " من
    . شانھ احداث ضرر بالمصلحة العامة او بشخص من الاشخاص ٢١
    والتزویر في المحررات اما ان یحصل في المحررات الرسمیة او العادیة ، وفي كلتا الحالتین
    یحدث التزویر فسادا اداریا .
    ٢. الجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني والثقة المالیة العامة :
    ٣٠٦ ) من قانون العقوبات ، وھي تعد من صور الفساد – عالجھا المشرع في المواد ( ٣٠٤
    الاداري لانھا تنسجم مع اخلاقیات العمل الوظیفي عندما ترتكب من قبل الموظف .
    وھناك العدید من الجرائم الاخرى التي ترتكب اثناء اداء الوظیفة العامة حددھا قانون العقوبات
    . وحدد لھا العقوبات المناسبة لھا ٢٢
    من كل ما تقدم وبعد بیان التشریعات الخاصة بمحاربة الفساد بنوعیھ الاداري والمالي ، الا اننا
    بقي ان نبین ان ھذه القوانین وحدھا غیر كافیة للقضاء على الفساد وانما لابد من ان یرافقھا
    اعلام یوجھ الشعب على العمل بھذه القوانین ، منظمات المجتمع المدني التي تعمل على توعیة
    . الجماھیر من مخاطر الفساد وما سیصیب البلد من خراب ودمار بسبب ھذه الآفة الخطیرة ٢٣
    اذن فاعلام وتوجیھ منظمات المجتمع المدني لھا دور كبیر في توعیة الشعب بمخاطر الفساد
    وبالقوانین التي ستطبق على من یحاول ارتكاب الجرائم الخاصة بالحصول على منافع مادیة اي
    تغلیب المنفعة الشخصیة على المصلحة العلیا للبلد والشعب .
    وبعد بیان ھذه النماذج لابد من بیان النماذج الخاصة باتفاقیة الامم المتحدة لمكافحة الفساد حتى
    نتمكن من اجراء المقارنة بینھما .
    اما اذا رجعنا الى اتفاقیة الامم المتحدة لمكافحة الفساد لوجدنا انھا اشارت الى عدة نماذج للفساد
    وذلك في الفصل الثالث من الاتفاقیة في المادة ١٥ منھا وتحت عنوان ( التجریم وانفاذ القانون )
    واشارت ھذه المادة الى عدة جرائم ترتكب تحت حكم الفساد ، وھذه الجرائم ھي :
    ١. الرشوة : وھي على نوعین حسب الاتفاقیة الصورة التقلیدیة التي یرتكبھا الموظف
    . الوطني والثاني بین عام اجنبي او موظف في مؤسسة دولیة عمومیة ٢٤
    ٢. اختلاس الاموال العامة : اشارت المادة ١٧ من الاتفاقیة ، وھذا النوع من الجرائم
    لاترتكب الا اذا توافرت فیھا صفة الموظف العام الوطني فقط .
    ٣. الاتجار بالنفوذ : وجوھر ھذه الجریمة تتمثل في قیام الموظف او اي شخص آخر
    باستغلال نفوذه الفعلي او المفترض للحصول من الادارة او السلطة العامة تابعة للدولة
    . على مزیة غیر مستحقة وذلك مقابل اي مزیة لصالحھ او لصالح شخص آخر ٢٥
    ٤. اساءة استغلال الوظائف : اشارت المادة ١٩ من الاتفاقیة على حالة استغلال الوظائف.
    ویلاحظ ان التشریع العراقي یتواقف مع اتفاقیة مكافحة الفساد فیما تنص علیھ من تناول
    الاحكام الخاصة باساءة استغلال السلطة .
    ٥. الاثراء غیر المشروع : وھي صورة من صور الفساد المراوغ والذكي ، وقد وردت
    ھذه الصورة في المادة ٢٠ من الاتفاقیة ولان ھذه الجریمة او الصورة من صور الفساد
    الخطیرة ، ولم تتناولھا الاتفاقیة بشكل مفصل الا ان المشرع العراقي تكفل في اصدار
    ، القانون بھذه الصورة ، وھو قانون الكسب غیر المشروع المرقم ب ١٥ لسنة ١٩٥٨
    اضافة الى ان قانون ھیئة النزاھة تناول الاحكام الخاصة بالكشف عن المصالح المالیة
    . والذي یسري على كبار الدولة ٢٦
    وقد دعى المشرع العراقي في القانون المشار الیھ في اعلاه الى ایجاد عقوبات صارمة على
    من یحاول ارتكاب ھذه الجریمة .
    ٦. غسیل الاموال : اشارت المادة ٢٣ من الاتفاقیة على ھذه الصورة من صور الفساد ،
    اما التشریع العراقي فقد جاءت احكام قانون مكافحة غسیل الاموال لسنة ٢٠٠٤ متوافقا
    مع ما نصت علیھ الاتفاقیة في المادة المشار الیھا في اعلاه .
    ٧. اخفاء الاموال المتحصلة عن جرائم الفساد : اشارت الیھا المادة ٢٤ من الاتفاقیة ،
    ویلاحظ ان ھذه الصورة تختلف عن الصور الست السابقة ، واھم ما یمیزھا عن غیرھا
    من صور الفساد امران الاول ان وضع ھذا النموذج الجرمي موضع التطبیق لایخل
    باعمال نموذج غسیل اموال الفساد والثاني ھو ان الجریمة لا تتحقق من الناحیة القانونیة
    الا مستقلة عن الجریمة الاصلیة التي تحصلت منھا الاموال التي تم اخفاؤھا .
    وقد جاء التشریع العراقي متوافقا مع ھذه الاتفاقیة في ھذا المجال وذلك في المادة ٤٦٠ من
    قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل .
    من كل ما تقدم من صور الفساد ، یلاحظ ان المشرع العراقي وما اصدره من قوانین تعالج
    حالات الفساد التي انتشرت وبشكل كبیر وسریع في العراق جاءت متوافقة مع اتفاقیة الامم
    المتحدة لمكافحة الفساد على الرغم من ان الاخیرة جاءت مقتضبة من ھذه الناحیة الا ان
    القوانین العراقیة جاءت مكملة لھذا الاقتضاب .
    الخاتمة
    بینا في بحثنا المتواضع ھذا (( التشریعات القانونیة التي صدرت في العراق لمكافحة الفساد في
    العراق )) القوانین التي صدرت في العراق بعد عام ٢٠٠٣ ، لمكافحة الفساد بنوعیھ الاداي
    والمالي ومدى موافقتھا لاتفاقیة الامم المتحدة لمكافحة الفساد .
    وبینا بان ھذه التشریعات وحدھا غیر كافیة لمحاربة الفساد وانما لابد من اشاعة روح المواطنة
    لدى المواطن نفسھ ، اي شعور الفرد بانتمائھ الى ھذه الدولة التي یعیش فیھا وعلى اراضیھا
    وینعم بخیراتھا . فبدون ھذه العنصر ( المواطنة ) فان الفساد لایمكن مكافختھ اطلاقا . اضافة
    الى كل ذلك فان القوانین وحدھا لایمكن لھا ان تلغي الفساد نھائیا مالم توجد وسائل اخرى الى
    جانبھا تتمثل في الاعلام الحر الذي یجب ان یلعب دورا كبیرا في ھذا المجال من خلال توجیھ
    الجماھیر وتوعیتھم على ان من یتعامل مع الفساد والمفسدین سوف یعاقب عقابا عسیرا ، اضافة
    الى ھذه الوسائل ھناك وسیلة اخرى یجب ان تاخذ مجراھا في ھذا المجال وھي منظمات
    المجتمع المدني التي یجب ان تقوم بواجبھا من خلال عقد الندوات والمؤتمرات مع الجماھیر
    لتوعیتھم وان تاخذ بیدھم الى الطریق الصحیح الذي لایشوبھ اي شائبة ، فاذا ما تحققت ھذه
    العناصر فان القضاء على الفساد یكون سھلا للغایة .
    اما اھم ما یمكن ان نقترحھ في ھذا المجال یتمثل في الآتي :
    ١. تطبیق القوانین الخاصة بالفساد وعدم استثناء اي مسؤول من المساءلة القانونیة وتقدیم
    كشوفات بالاوضاع المالیة للمسؤولین وتطبیق اجراء ( من این لك ھذا ) .
    ٢. العمل بمبدأ الشفافیة والوضوح الكامل في جمیع المیادین الحیاتیة والانفتاح على
    المجتمع .
    ٣. ان تقوم ھیئة النزاھة ومن خلال مؤسساتھا نشر ثقافة النزاھة باصدار الكراریس
    المستمرة وترجمة البعض منھا وتبادل المعلومات بین دوائر الدولة واقامة المؤتمرات
    والندوات العراقیة على مستوى الجامعات والتعلیم العام .
    ٤. ان یخصص یوم عالمي لمكافحة الفساد یشارك فیھ المعنیون في اعداد برامج وانشطة
    یساھم بھا رجال القانون والتربیة والتعلیم لتوضیح مفاھیم النزاھة ورصد مكافحة الفساد
    في دوائر الدولة من خلال اسلوب العمل ومكافأة الموظفین المخلصین مادیا ومعنویا .
    ٥. تحدید مستویات الرواتب بشكل یمنع الموظف من التفكیر بارتكاب الفساد وتحسین
    مستوى الخدمات المقدمة للمواطنین بالشكل الذي یساھم بعدم تحمل المواطن تكلفة ھذه
    الخدمات .
    الھوامش
    . ١. سورة البقرة ، الایة ١٢ ، ١١
    ٢. المنجد في اللغة ( ف س د ) –طبعة ٣٨ –دار المشرق –بیروت – لبنان – ٢٠٠٠ –ص ٥٨٣
    . ١١٢– ٣. دلیل البنك الدولي –تقریر عن التنمیة في العالم –القاھرة – مركز الاھرام – ١٩٩٧
    ٤. سالم محمد عبود – ظاھرة الفساد الاداري والمالي –دراسة في اشكالیة الاصلاح الاداري والتنمیة
    . ١٦ – – المكتبة الوطنیة – بغداد – ٢٠٠٨ –ص ١٥
    ٥. یراجع القسم الثاني من الامر .
    ٦. ھذه الصلاحیات والواجبات منصوص علیھا في القسم الرابع من الامر .
    ٧. یراجع القسم الخامس من الامر .
    . ٨. د. سالم محمد عبود –المصدر السابق –ص ١٨١
    . ٢٠٠٦ / ١٠ / ٩. جریدة الصباح الصادرة في ١٢
    ١٠ . تراجع المادة ٢ من القانون .
    ١١ .تراجع المادة ٣ من القانون .
    ٢٠٠٤ –ص ٤٧ وما بعدھا . – ١٢ . تراجع جریدة الوقائع العراقیة – العدد ٢٩٨١
    ١٣ .منشور في جریدة الوقائع العراقیة العدد ٣٩٨٣ –ص ٩٩ وما بعدھا .
    . ١٤ .د. سالم محمد عبود –مصدر سابق –ص ١٨٥
    ١٥ .جریدة الوقائع العراقیة –العدد السابق –ص ١٠٢ وما بعدھا .
    ١٦ . المادة ٤ من القانون .
    ١٧ . المادة ١٣ من القانون .
    ١٨ .تراجع المادة ٥ من القانون .
    ١٩ .تراجع المادتین ٧ و ١٢ من القانون .
    ٢٠ . انضم العراق الى الاتفاقیة بموجب القانون المذكور ومنشور في جریدة الرسمیة المرقمة ب ٤٢١٧
    ٢٠١١ وھذا القانون ساري المفعول . / ١١ / في ١٤
    ٢١ .یراجع محمود ابراھیم اسماعیل – شرح قانون العقوبات المصري في جرائم الاعتداء على
    الاشخاص وجرائم التزویر – الطبعة الثالثة – مطبعة الانجلو مصریة – القاھرة – ١٩٥٠ –ص
    ٢١٨ ، د. محمود محمود مصطفى – شرح قانون العقوبات القسم الخاص – الطبعة السابعة –
    . مطبعة جامعة القاھرة – ١٩٧٥ –ص ١٢٦
    ٣١٤ من قانون العقوبات ، جریمة الاختلاس – ٢٢ .ومن ھذه الجرائم جریمة الرشوة المادة ٣٠٧
    المادة ٣١٥ من القانون ، جریمة الاستیلاء بغیر حق المادة ٣١٦ من القانون ، جریمة الاضرار
    بمصلحة الدولة للحصول على منفعة المادة ٣١٨ من القانون ، جریمة الانتفاع من نفوذ الوظیفة
    العامة المادة ٣١٩ من القانون ، جریمة الانتفاع من استخدام العمال ، جرائم تجاوز حدود الوظیفة
    ١ من القانون ، / ٣٤١ من القانون ، جرائم المساس بسیر العمل المادة ٣٦٤ – المادة ٣٢٢
    ٣٩٨ من القانون ، جریمة افشاء السر – الجرائم المخلة بالاخلاق والاداب العامة المادة ٣٩٣
    المادة ٤٣٧ من القانون .
    ٢٣ .د. ماھر صالح علاوي –مباديء القانون الاداري – دراسة مقارنة - دار الكتب للطباعة والنشر –
    . جامعة الموصل – ١٩٩٦ –ص ٨٦
    ٢٤ .تراجع المادة ١٦ من الاتفاقیة .
    ٢٥ .تراجع المادة ١٨ من الاتفاقیة .
    ٢٦ .یراجع القسم السابع والثامن من القانون المشار الیھ اعلاه .
    • Blogger Comments
    • Facebook Comments

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: التشريعات القانونية العراقية المتعلقة بمحاربة الفساد في العراق Rating: 5 Reviewed By: احمد هندي
    Scroll to Top custom blogger templates